تتعرض المقابر الإسلامية في فلسطين التاريخية لموجة انتهاكات وعمليات طمس غير مسبوقة لمعالمها من قبل السلطات الإسرائيلية بغية تحقيق أهداف سياسية وتجارية، وكان آخرها تحويل مقبرة عسقلان التاريخية لموقف للسيارات.
فبعدما أقدمت بلدية أشكلون على تجريف المقبرة الإسلامية التاريخية بعسقلان تمهيدا لبناء مواقف سيارات، اضطرت لوقف الأشغال نتيجة احتجاجات وضغوط واسعة من قبل فلسطينيي الداخل وقامت بإحاطة الموقع بالسياج الواقي.
وحذر بعض النواب العرب في الكنيست الإسرائيلي، ومندوبون عن جمعية الأقصى لحماية المقدسات وزير الأديان ورئيس بلدية أشكلون من مغبة انتهاك حرمة المقبرة مشددين على ضرورة السماح بترميمها وصيانتها.
نبش المقابر
كما قاموا بزيارة موقع المقبرة ومسجد الحسين الكبير الذي حول لمطعم، وتجولوا بين البيوت التاريخية لعسقلان التي هجرت إسرائيل سكانها عام 1950 ولجؤوا لقطاع غزة وبعضهم لمدينتي اللد والرملة داخل أراضي 1948.
وكشف أحد أبناء عسقلان -الذي تم تهجيره إلى مدينة اللد ويدعى جمال عبد الله زقوت- أن المقام التاريخي لعبد الله بن أبي السرح بين عسقلان وسدود قد نبش وبعثرت حجارته من قبل متطرفين يهود الشهر الماضي.
وينقل عن والده أن عسقلان "كانت عاصمة لصناعات النسيج في فلسطين قبل تحويلها لأشكلون وأن أهلها عاشوا في رخاء بفضل التجارة والزراعة المزدهرتين قبل أن تخرب النكبة عليهم عالمهم وتواصل اليوم ملاحقة حتى الأموات منهم بتجريف مقابرهم".
كما اضطرت وزارة المواصلات الإسرائيلية لوقف التجريف في أطراف مقبرة بلد الشيخ قضاء بحيفا بعد الاحتجاجات على انتهاكها بذريعة بناء خط جديد لتصريف المياه العامة بدلا من خط قديم تم هدمه ضمن مشروع لبناء سكة حديدية بين حيفا وبيسان.
إهمال وانتهاكات
وخلال معاينتنا لضريح الشيخ المجاهد عز الدين القسام -الذي استشهد في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 1935- لمسنا بوضوح أن الضريح ما زال يعاني من الإهمال والانتهاكات حيث استطاع متطرفون يهود تحطيم شاهده بعدما أقدموا على تلطيخه بالدهان الأحمر عام 2006.
ويأتي الاعتداء على مقبرة القسام بعد شهرين من انتهاك حرمة المقابر الإسلامية في طبريا وبيسان والشيخ يونس حيث شقت شوارع وبنيت مواقف.
كما تعرضت "المقبرة الباشية" ببلدة طيرة الكرمل –وهي من أبرز المعالم التاريخية الفلسطينية- لعمليات تجريف وطمس بحجة التطوير وبناء شارع لحي جديد للمهاجرين الروس تبنيه شركة خاصة فازت بعرض بناء من وزارة المواصلات.
وقد تم وقف أعمال التجريف بالمقبرة أمس الخميس بعد تدخل مؤسسة الأقصى ريثما يتم عرض خرائط تظهر حدود المقبرة.
وتؤكد الحاجة أم حسين (90 سنة) من طيرة الكرمل أن السلطات الإسرائيلية دمرت أربع مقابر في بلدتها قبل الانتهاك الحالي لآخر مقابر البلدة -"مقبرة الباشية"- حيث دفن ذووها.
وردا على سؤال الجزيرة نت قالت أم حسين -التي تتمتع بذاكرة قوية رغم تقدمها في السن- إن مساحة المقبرة تتقلص باستمرار نتيجة قضمها تدريجيا بسبب بناء العمارات السكنية.
الوطن لا يباع
بدورها كشفت الحاجة سميرة درباس (65 سنة) من نفس البلدة أن عائلتها رفضت إغراءات وضغوط السلطات الإسرائيلية لبيع أراضيها بجوار المقبرة مؤكدة أن "الأوطان لا تباع ولا تشترى وأن الأجيال القادمة ستواصل حمل راية النضال حتى استرداد الحقوق".
المحامي علي الرافع -وهو من أبناء مدينة حيفا- أبدى سخطه مما شاهدته عيناه وهو يرافق الجزيرة نت لموقع المقبرة الإسلامية بطيرة الكرمل، مؤكدا أن القيامة كانت ستقوم لو أن مقبرة يهودية في أوروبا هي من تم انتهاكها بهذا الشكل.
كما قال إنه ما دامت إسرائيل لا تحترم حقوق الأحياء فلن تصون حرمة الأموات، مؤكدا على أن حماية المقدسات داخل أراضي 1948 مهمة إنسانية ودينية ووطنية تحتاج لبرنامج عمل على مدار السنة.
ودعا الرافع إلى الكف عن إبداء ردود الفعل فقط والمبادرة بصيانة وترميم الأوقاف ومواجهة كل من ينتهكها وفضح مخططات التهويد هذه في الداخل والخارج.
وهذا ما أشار له أيضا ناطق باسم مؤسسة الأقصى أكد أن انتهاك المقدسات حلقة في مسلسل جرائم المؤسسة الإسرائيلية منبها إلى أن طمس المقدسات الإسلامية ومحاولة محوها يهدف إلى تعزيز يهودية الدولة على الأرض التي تعد الشاهد الأبرز على طابع فلسطين العربي الإسلامي.